الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة أربعة أفلام في المسابقة الرسمية بين الرفض والجدل والإعجاب

نشر في  22 ماي 2016  (18:56)

بقلم الناقد الطاهر الشيخاوي- مراسلنا بمهرجان كان السينمائي

لا شك أن برمجة الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي تحسنت هذه السنة مقارنة بالسنوات الأخيرة (أعني المسابقة الرسمية بالخصوص)، ولكننا لم نشاهد فيلما اخترق المستوى العام بل تقاربت الأعمال إلى درجة أنه يصعب التنبؤ بالبالماريس.

إلا أننا شاهدنا أفلاما هابطة جدّا ومنها وبدون شك فيلم شين بان. لا أحد يشك في قناعات شين بان السياسية وفي ما يتعلق بمساندته للشعوب الإفريقية كما يمكن أيضا الإعتراف بقيمة أعماله السابقة، لكن «ذو لاست فاتيس» تجاوز بكثير مستوى الرداءة المقبول.

قصّةُ حب بين مناضلَين في الحقل الإنساني زمنَ الحرب الأهلية في ليليريا. لم يمتنع شين بان عن استعمال كل أساليب الإشهار المعمول بها في الأفلام التجارية المبتذلة من تكرار ممل وموسيقى ساذجة وإدارة للممثلين في غاية من السطحية.

العبرة هي أن النوايا الطيبة ليست ضمانا للمستوى الفني. لا يصحّ قول الشيء نفسه في خصوص «ذو نيون ديمون» لنيكولا ويندينغ ريفن، فالمخرج الدنماركي حاول تتبع أسلوب قريب من الفنون المعاصرة بعيدا عن العادات السردية المعهودة.

الموضوع  فتاة جميلة تدخل عالمَ عارضات الأزياء في مدينة لوس انجلس فتتعرض لحسد زميلاتها. يلعب ويدينغ ريفن على قوالب الموضة وجماليتها مُبحرا كعادته في المؤثرات المبنية على العنف، فيبدو العمل متفردا شكلا ولكنه لا يتجاوز حدود الإثارة الجوفاء.

في كل الحالات كان الفيلم محلّ جدل بين النقاد، فهناك من دافع عنه بشراسة على أنه يفتح آفاقا جديدة فى الفن السينمائي وهناك من رفضه رفضا مطلقا.

ولكن هناك أيضا أفلام لقت صدى إيجابيا لدى معظم النقاد منها «بيرسونال شوبير» للمخرج الفرنسي أوليفيي أساياس وهو من أبرز سينمائيي ما بعد الموجة الجديدة.

مورين (كريستين ستيوارت) شابة أمريكية تأتي إلى باريس لتشتغل عند نجمة مشهورة، مهمتها اقتناء ما يلزمها من ملابس، لكن مورين تمر بمرحلة صعبة منذ موت أخيها التوأم. لا تتمكن من التخلص من ذكراه بل تنتظر منه علامة فتتصور أنه يلازمها كأنه يرغب في التعبير عن شيئ.

ينحى الفيلم منحا فانتاستيكيا ولكنه لا ينغلق في هذا الجنس أو ذاك بل يمزج بين أجناس مختلفة وتتظافر فيه الواقعية والرومنسية والخيالية والإحالات السينمائية المتعددة والتقاطعات الفنية والأهم من ذلك كله مكانة الممثل، فكعادته يولي أساياس عناية فائقة للأجساد الحية (والميتة) وفي قضية الحال جسد كريستين ستيوارت.

ففي متابعته للشخصية يتمكن أساياس من مساءلة العصر مساءلة انتروبولوجية فلسفية تُضفي على الأشياء العادية بُـعدا رمزيا عميقا. فنرى مورين تتواصل باستمرار مع مجهول عبرَ رسائل قصيرة تجعلنا نتساءل باستمرار عن حدود واقعنا وعلاقته بعوالم أخرى نجهلها لا بالمعنى اللاهوتي المغلق للكلمة ولكن بالمعنى الوجودي الفلسفي التي ما فتئت الفنون البصرية تطرحه.

 

الشريط الثاني الذي نال إعجاب النقاد هو « آل » (هي) للمخرج بول فرهوفن ولكن مع إثارة نوع من الجدل حول معالجته لمسألة الإغتصاب. شريط مقتبس من رواية لفيرليب دجيان. هنا أيضا يتعلق الأمر بشخصية امرأة في اتصال دائم بشخص لا تعرفه، وهنا أيضا يولي المخرج أهمية قصوى للممثلة وهي إيزابيل هوبير الممثلة الفرنسية القديرة، ويجب الإقرار بأنها قدمت أداء رائعا.

ميشال امرأة أعمال صاحبة شركة مختصّة في صنع الألعاب الإلكترونية، تتعرض إلى عملية اغتصاب عنيفة جدا تتكرر مرارا في الشريط وتتلقى العديد من الرسائل القصيرة على هاتفها الجوال.

الغريب في المسألة هو أن ميشال تنتهي بمعرفة مرتكب العملية ولا تبلغ عنه الشرطة بل تسعى إلى الإلتقاء به.

هنا يكمن سبب الجدل الحاصل: كيف يمكن للمخرج أن يسمح لنفسه معالجة من هذا النوع؟ كيف سمح لنفسه أن يُـبقي الأمر على هذا الغموض؟ ولكن يبدو لي أن هذه القراءة لا تأخذ في الإعتبار أن الخطاب ليس مباشرا بل فيه من الإسراف ما يجعل إدراك الموضوع إدراكا رمزيا.